بعد مقتل الجزائرية رحمة عياط.. هكذا تنتهك حقوق المسلمين في أوروبا

بعد مقتل الجزائرية رحمة عياط.. هكذا تنتهك حقوق المسلمين في أوروبا
الطالبة الجزائرية رحمة عياط

في أحد أحياء مدينة هيمينغن الألمانية، انطفأت حياة شابة في ربيعها السادس والعشرين بطريقة مأساوية تُلخّص واقعًا مؤلمًا يعيشه كثير من المسلمين في أوروبا، وهو واقع الخوف الدائم من أن تتحول المضايقات اليومية إلى طعنات قاتلة.

رحمة عياط، الطالبة الجزائرية، لم تكن سوى وجه جديد لقصة قديمة من الكراهية والتمييز.. قصة تُعيد تذكيرنا بأن الخطر لا يكمن في الجريمة بحد ذاتها فقط، بل في مناخ عام يسمح بوقوعها ثم يسكت عنها.

تفاصيل ليلة المأساة 

يوم الرابع من يوليو الجاري، دوّت صرخات رحمة في درج البناية… وصلت الشرطة لتجدها غارقة في دمائها إثر طعنات قاتلة في صدرها وكتفها، ولم ينجح الإسعاف في إنقاذها، وتوفيت على الفور تقريبًا.

المشتبه به ألماني، يبلغ 31 عامًا، يسكن في الشقة المجاورة، لم يكن مجرد جار؛ بل كان مصدر خوف دائم لرحمة، كما كشفت أسرتها، فقد أبلغتهم مرارًا بتعرضها لمضايقات وإهانات بسبب حجابها وأصولها العربية.

هذه التفاصيل ليست هامشًا بل جوهر الحادثة الذي يكشف أنها ليست جريمة جنائية معزولة، بل ثمرة مرة لخطاب الكراهية وصور نمطية تحوّل الآخر المختلف إلى هدف مشروع للعنف.

خوف يتحول إلى مأساة

تقول والدة رحمة إن ابنتها كانت تخاف من جارها، وهذا الخوف مفهوم في ضوء ارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين في أوروبا، وقد سبق لرحمة أن أخبرت معارفها وناشطين جزائريين في ألمانيا بتعرضها لتحرشات لفظية متكررة.

هذه الشهادات تصنع صورة واضحة.. امرأة شابة تعيش في مجتمع يفترض أنه يحمي حقوق الإنسان، لكنها تشعر بالتهديد فقط لأنها محجبة ولها أصول عربية، وحين وقعت الجريمة، جاء الصمت الإعلامي والرسمي ليعمّق الإحساس بالخذلان.

ولم تقف الجريمة عند حدود الألم الشخصي لعائلة رحمة، بل فجّرت موجة غضب بين الجالية الجزائرية والمسلمة، وخرجت وقفات في هانوفر ومدن أخرى، وطالبت بأن تُصنف الجريمة كجريمة كراهية، لا أن تُبرر بحجج الاضطرابات النفسية، وهو نمط تراه منظمات حقوقية وسيلة للتهوين من الاعتداءات العنصرية.

كتب كثيرون أن ما حدث ليس حادثًا معزولًا بل نتيجة تراكم خطابات الكراهية التي تُشيطن المسلمين، وتخلق بيئة يصبح فيها التمييز شيئًا عاديًا، حتى ينتهي بقتل إنسانة شابة في مدخل بنايتها.

دعوات لتغيير جذري

أدانت مؤسسة الأزهر الشريف الاعتداء الإرهابي الذي نفذه إرهابي يميني ألماني، مشددًا على ضرورة التصدي بحزم لإرهاب اليمين المتطرف وسنّ تشريعات رادعة.

بدوره، مجلس حكماء المسلمين طالب بصياغة استراتيجية عالمية لمكافحة الكراهية والعنصرية والإسلاموفوبيا، وإقرار قوانين ملزمة تُجرّم مثل هذه الجرائم وتمنع تبريرها.

أما وزير الأوقاف المصري، الدكتور أسامة الأزهري، فأكد أن الجريمة تذكّرنا باغتيال الصيدلانية المصرية مروة الشربيني عام 2009، وأن استمرار هذه الحوادث يعكس خطرًا حقيقيًا يتطلب جهدًا دوليًا وتشريعات حاسمة.

الوجه الصامت للعنف

رحمة لم تُقتل في فراغ ووراء هذه الجريمة خلفية من التمييز الصامت الذي تعيشه مسلمات كثيرات بسبب الحجاب أو الأصول العرقية، قد يبدأ بنظرات استعلاء أو كلمات جارحة، ثم يتحول إلى تهديد مباشر، ثم عنف جسدي مميت.

منظمات حقوقية عديدة تحذر منذ سنوات من أن خطاب الكراهية في الإعلام والسياسة يُغذي هذه الأفعال، لكن رغم الإدانات بعد كل حادث، يغيب غالبًا التحرك الاستراتيجي العميق لمعالجة الجذور.

أحد أكثر ما صدم الجالية كان الصمت الإعلامي في ألمانيا والأوروبية مقارنة بحوادث أخرى، هذا الصمت يضاعف الإحساس بأن دماء بعض الضحايا تُحسب أقل قيمة بسبب دينهم أو مظهرهم، ويغذي شعورًا بالغربة والخوف بين الأقليات المسلمة.

نداء لحق الحياة والكرامة

كانت رحمة تحلم بحياة هادئة في بلد يُفترض أن يحمي الحريات، لكنها قُتلت لأنها محجبة، عربية، مسلمة وفي ظل صمت رسمي وإعلامي جعل آلام أسرتها وجاليتها أكبر.

جريمة رحمة عياط ليست فقط مأساة فردية؛ بل مرآة تعكس إلى أي حدّ صار التمييز أمرًا طبيعيًا في حياة بعض الأوروبيين من أصول مهاجرة، إنها نداء للعالم أن الكرامة والحق في الحياة لا يجب أن يُستثنى منها أحد.

رحمة لم تعرف أن صعودها على درج البناية في تلك الليلة سيكون آخر خطواتها في هذه الحياة.. لكنها تركت لنا جميعًا سؤالًا مؤلمًا: كم روحًا بريئةً أخرى يجب أن تُزهق حتى نفهم أن الكراهية لا تقتل مرة واحدة فقط.. بل تقتل كل يوم في صمت.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية